I think we live at a point of extreme darkness and extreme brightness. Extreme darkness, because we really do not know from which direction the light would come. extreme brightness, because we ought to have the courage to begin anew.
Michel Foucault in a dialogue with Baqir Parham.
Iranian Revolution, September 1978.

العربية


الرؤى




تقاطع بين التفكير النقدي الغربي وجذمور الإسلام
تفكيكية النمط الإعلامي الموحّد الذي يُفرض علينا للواقعيات الإسلامية
تفكير حول الصورة وعلاقتها بالحلم والتبصير، وحول قدرة الصور على تصميم الواقع


إن "رؤى" مشروع بحث مفتوح يدور حول الرؤى المعاصرة التي تأخذ الثقافة الإسلامية (*) كمرجعية. لا نبدأ هذه الرحلة رغبةً في أن نقدم صورة شاملة للرؤية أو الإخبار عن ما يحدث في هذا الميدان الواسع الآفاق والمعقد وإنما نرغب في أن نتعمق في نقاط التقاطع بين موروثات متنوعة وتقنياتها لصناعة الواقع وفي صراعات المخيلات
(1) المختلفة وآخيرًا في مفهوم الرؤية نفسه.
من خلال الفيديوهات (2)، النصوص واللقاءات، تُظهِر هذه الرؤى وجودات غائبة لم تتجسد بعد، غير أن ظروف وجودها تُنبّئ بها، واقعيات مغيّبة، مزيّفة أو غير معروفة بسبب ضغط ما هو ظاهر، والحُجُب التي تشكّلها الصور والأفكار النمطيّة المرسومة على مقاس العجلة لبناء مفهوم الآخر، والتي كثيراً ما لا يتخلص منها الإبداع الفني نفسه.
هذه الرؤى واعية أن هوية الذات نفسها على المحك عند مواجهة الآخريَة، فإن معرفة الآخر تشكّل شرطًا من شروط التحول الذاتي وإمكانية الغوص في معرفة الذات.
تتوقّف هذه الرؤى عند أجهزة مفتاحية لبناء الواقع: مفهوم الرؤية نفسه، ما يُرى وما لم يُر، الواقع والوهم... وأيضَا عند أجهزة اجتماعية مثل البعد الداخلي والبعد الخارجي، البعد الخاص والبعد العام، الجندر و تحولاته... وأجهزة السلطة السياسية مثل الوطن، الحدود والآليات لإقصاء "الآخر" أو عزله.
تهتمّ هذه الرؤى اهتمامًا خاصًا بالتقاطعات المعاصرة ما بين التفكيرالنقدي الغربي وجذمور الإسلام.

من هذه الناحية تهدف "رؤى" إلى التعمق خصوصًا في التقاطع المتعلق بمفهوم الرؤية والعناصر التي تلعب دورًا فيها. ومقابل الهيمنة المصرّة على إنتشار الصورة وتفتيتها نجد أن التراث الذي يعود أصله إلى الإسلام تمسّك بنزوة أيقونية تعتبر أن ما هو خيالي ليس حتمًا مقابلا للواقع. بالنسبة إلى "رؤى" هذا يفتح الباب أمام مجال جديد للدراسة متجاوزًا الأبعاد الأولى للمشروع.

تنتمي هذه الرؤى إلى ثقافة تعيش حاليًا الصراع بين واقعها الجذموري والضغط لتطبيق النموذج العالمي.

...
ينبثق مشروع "رؤى" بعلاقة جذمورية مع مرصد الفيديو الغامض OVNI [Archivos del Observatorio]
]ملفات المرصد] [www.desorg.org[ ولذلك يشارك معه هدفه الرئيسي: التمهيد لنقد الثقافة والمجتمع المعاصِريْن عن طريق استراتيجيات متنوعة: الفيديوهات الفنية، الأفلام الوثائقية ذات الإنتاج المستقل وعلم آثار وسائل الإعلام الجماهيرية.

وفي سياق مدينتنا (برشلونة) وبلدنا، تقترح علينا "رؤى" أن نقترب من بعض المجموعات المتكونة من المهاجرين الموجودة بشكل واسع هنا، كالمجموعة المغربية والسنغالية والباكستانية، إلخ، وأن نتعلم منها لكي نفهم أنّ تدفّقها هو في الحقيقة تدفق معرفي.

سيتم عرض الأفلام واللقاءات في أماكن مختلفة ومستقلة من المدينة و في متحف الفن المعاصر في برشلونة (ماكبا) أيضًا. وتُقدَم المدونة الإلكترونية [ru-a.org] كموقع لنشر النصوص والمقالات المندمجة في "رؤى" وبثها والتعليق عليها وهي أيضًا أرشيف ومكتب على "النت" حيث يتم العمل واللقاءات.
...

الفيديو

تستعمل "رؤى" الفيديو كوسيلة مختلطة ذات الإنتاج المستقل الذي يتحرك خارج دائرة المنتوجات التجارية الكبرى أو النظامية، فطبيعة الفيديو هي أكثر علاقة بالأكوان الاجتماعية والذاتية الصغيرة بالمقارنة مع الرؤية المرْصديَة و"الوجبات السمعيةـالبصرية السريعة".

لعب الاستعمار سابقا دور الوسيط كعنصرفاعل و مؤثر حيث كان يمثل المدينة العاصمة المحور بالنسبة للمستعمرات، وهذا هو الدور نفسه الذي تقوم به وسائل الإعلام وصناعة الترفيه: السنيما الاستهلاكية و ألعاب الفيديو منذ منتصف القرن الماضي. إن هذه الوسائل لا تقتصر فقط على مجانسة بعض مستويات الوعي فيما بينها عن طريق تكوين "الخبر- الحقيقة" لتنويم الحس النقدي لدى المتلقي، ولكنها تبلور أيضًا و تشكّل مخيلة الذاتي وصورة "الآخر" ، فهذا بالفعل نمط تصوري هائل متجانس و إقصائي، وهو تمثيل مُذهل "يحوَل العالم من حولنا إلى مجرد صور و يحوَل مجرد صور إلى كائنات حقيقية" (3).

إدوارد سعيد في مقابلة له، "تحت ظل الغرب"، يُبيِن الضرر الناتج عن "التمثيل أو بالأحرى ممارسة فعل التمثيل (و بالتالي اختزال الآخر)، في الغالب يحمل في طيَاته نوعًا من العنف يمارسه على الممَثَّلِ، هذا وإن العنف المنطوي تحت فعل التمثيل لشيءٍ ما يبدو متناقضًا مع الهدوء الخارجي لهذا التمثيل بعينه، سواء سميناه الصورة الإستعراضيَة المذهِلة أو الغريبة أو التمثيل الأكاديمي، فإنَنا دائمًا نجد هذا التناقض الحاصل بين الصورة السطحية التي تبدو أنها تحت السيطرة و بين العملية الداخلية التي تفرزه، هذه الأخيرة عادة ما تكون على درجة من العنف و التقزيم وإخراج الأمور عن سياقها... إن فعل أو عملية تمثيل الآخر تعني التحكم، تعني التراكم، تعني التقييد أو التغريب، تعني الخلط والإنسلاخ" (4).

إن التطوَر الهائل للتقنيات السمعية البصرية الإستهلاكية صاغ طريقة جديدة لجعل الصورة شيئًا عبثيًا كما أنه أغرق و أشبع المُحفِزات السمعية الموجَهَة، فهو حجاب مذهل يحجب عن الواقعيات الأخرى، ولكنه أيضا جعل ممكنًا الوصول إلى الفيديو كآلة نستعملها للتَفكر في الواقع اللذي نعيشه أو اللذي نحلم به، و بالتالي تحوَل الفيديو إلى وسيلة مستقلة لخلق التصورات الذاتية، الشيئ الذي عمل على ظهور خطاب بصري مستقل نتيجتهُ الوصول إلى جذمور رؤى غير مستنسخة.

وهنا تكمن أهمية الموضوع، ليست الإجتماعية والثقافية فحسب، بل الشخصية لتكوين التصورات الذاتية، ذالك أن الأمر يتعلق بالواقع اللذي نعيشه في حد ذاته. إن الفيديوهات التي نقدمها هنا تنسُج، داخل المفارقة، ما بين الحُلم والواقع، بين ما هو فردي وما هو جماعي، نحن و الآخرين، متجاوزة الحدود الإفتراضية والرؤى الهشة السطحية والصاخبة.

وتِباعاً لهذا المنطق فإننا ندرج مؤلفين مختلفة مشاربهم: الذين ينتجون داخل بلدانهم أو المؤلفين المهاجرين في أوروبا وأمريكا، أو من مناطق أخرى من الذين اختاروا التغلغل بطريقة حيوية ونقدية في هذه الثقافة "الأخرى" أو اختاروا أن يكونوا في حوار معها.

إننا نعتقد أن إختلاف الوضعيات وتَعددها سوف يساهم في إثراء هذه التساؤلات وسوف يساعد على فهم التوترات المعقَدَة وأن يفرز مجالات للتقارب أكثر انفتاحًا.

...

سمة مشتركة: استخدام الفيديو والنص كأداة لتحليل ونقد الحقائق المسكوت عنها في عصرنا المليء بالصراعات، كما أنه يدعو إلى التأمل الذاتي و استكشاف الخصوصيات الداخلية. إن هذه الأعمال تجول بحُريَة بين مختلف الأنواع: الفيديو الفني، المحاولات التجريبية، المقالات الأدبية، الوثائقيات المستقلة وذلك من أجل التساؤل واستشعار العلاقات بين الفرد والجماعة، والتفكيرفي قضايا الجندر ومشكلة العرقية والإستعمارية الجديدة وظاهرة الهجرة والتحرش الإعلامي... انطلاقًا من معطيات معيَنة ذاتية وإسهامًا بعناصر مشتركة، كما أنه من الضروري النظر من موقع الآخر بُغْية النقد الذاتي، الذي نحتاج إليه أكثر فأكثر، لِما يُسمَى بالتصور "الغربي".
 
ابو علي 2013

...
(*) كلمة "رؤى" لا تشير إلى فضاء محدود أو ثقافة منغلقة (على افتراض كون ذلك ممكنًا) بل "رؤى" تعني تدفقًا جذمريًا و تيارًا للعلاقات البيْنيَةِ ومرجعيات متقاطعة جد متشابكة يحتل فيها كل ما هو إسلامي مكانًا مشتركًا: في تداعياته الثقافية والأنثربولوجية والتاريخية.

(1) "
حرب الأحلام"، مارك أوجيه
(2)
باستخدام استراتيجيات متنوعة: الفيديوهات الفنية، الأفلام الوثائقية المستقلة وعلم آثار وسائل الإعلام الجماهيرية
(3) "
مجتمع الفرجة"، جاي ديبورد
(4) "تحت ظل الغرب"، إدوارد سعيد